الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
وهو شعيب بن عيفا بن نويب بن مدين بن إبراهيم. هكذا يقول الأكثرون. وقرأته بخط أبي الحسين بن المنادي على خلاف هذا النسب وهذا الاسم قال: هو شعيب ابن نوبب - بباءين مع سكون الواو - بن رعيل بن عيفا بن مدين بن إبراهيم. وبعضهم يقول: ليس من ولد إبراهيم إنما هو من ولد بعض من آمن به ولكنه ابن بنت لوط. أرسل إلى أمتين: أهل مدين وأصحاب الأيكة. وكانت مدين دار شعيب والأيكة خلف مدين. وقال الشرقي بن القطامي - وكان عالمًا بالأنساب -: هو يثرون بالعبرانية وشعيب بالعربية. قال العلماء: بعثه اللّه تعالى إلى مدين وهو ابن عشرين سنة وكانوا أهل بخس في المكاييل والموازين فدعاهم إلى التوحيد ونهاهم عن التطفيف فكان يقال له: خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه فلما طال تماديهم بعث اللّه عليهم حرًّا شديدًا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم فخرجوا إلى البرية فبعث اللهّ عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا بردًا ولذة فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم فذلك عذاب يوم الظلة. قال أبو الحسين بن المنادي: وكان أبو جاد وهواز وحلى وكلمون وسعفص وقريشات بني الأمحض بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم ملوكًا. وكان أبو جاد ملك مكة وما والاها من تهامة وكان هواز وحطي ملكي وج وهو الطائف. وكان سعفص وقريشات ملكي مدين ثم خلفهم كلمون وكان عذاب يوم الظلة في ملكه فقالت حالفه بنت كلمون - وفي رواية: أخت كلمون - ترثيه: كلمونٌ هدَّ ركني هُلْكُهُ وَسْطَ المحلَّهْ سيّدُ القوم أتاه ال حَتفُ نارًا وَسْطَ ظُلَّهْ ثم إن شعيبًا مكث في أصحاب الأيكة باقي عمره يدعوهم إلى اللّه سبحانه ويأمرهم بطاعته وتوحيده والإيمان بكتابه ورسله فما زادهم دعاؤه إلا طغيانًا ثم سلط عليهم الحرّ. فجائز أن تكون الأمتان اتفقتا في التعذيب. وقد قال قتادة: أما أهل مدين فأخذتهمِ الصيحة وأما أصحاب الأيكة فسلط عليهم الحرّ سبعة أيام ثم بعث الله عليهم ناراَ فأكلتهم فذلك عذاب يوم الظلة. فأما قوله تعالى: فقال سعيد بن جبير: كان أعمى. وهذا إن ثبت فقد كان في آخرعمره. قال أبو روق: لم يبعث اللّه نبيًا أعمى ولا به زمانة. قال أبو الحسين بن المنادي: وهذا القول أليط بالقلوب من قول سعيد بن جبير. قال أبو المنذر: ثم إن شعيبًا زوج موسى ابنته ثم خرج إلى مكة فتوفي بها وأوصى إلى موسى وكان عمره كله مائة وأربعين سنة ودفن في المسجد الحرام حيال الحجر الأسود. ومن الحوادث التي كانت في زمن شعيب ملك منوشهر ورأيته بخط أبي الحسين بن المنادي " ميوشهر " قد ضبط بالياء وهو من ولد إيرج ابن آفريدون ولما كبر صار إلى جده أفريدون فتوجه. وبعث موسى عليه السلام وقد مضى من ملك منوشهر ستون سنة فعاش في الملك ستين سنة أخرى ثم وثب به عدو فنفاه عن بلده اثني عشر سنة ثم أديل منه منوشهر فنفاه وعاد إلى ملكه فملكه بعد ذلك ثمانيًا وعشرين سنة. وكان منوشهر يوصف بالعدل والإحسان وهو أوّل من خندق الخنادق وجمع آلة الحرب وزاد فيِ مهنة المقاتلة الرمي وأول من وضع الدهقنة فجعل لكل قرية دهقانًا وجعل أهلها له خولًا وعبيدًا. وسار إلى بلاد الترك مطالبًا بدم جده إيرج فقتل طوخ بن أفريدون فانصرف. واصطلح هو وقريشات على أن يجعلا حدَّ ما بين مملكتيهما منتهى رمية سهم رجل من أصحاب منوشهر فحيث ما وقع سهمه من موضع رميته تلك مما يلي الترك فهو الحدُ بينهما. فرمى ذلك فبلغت رميته نهر بلخ فصارحدّ ما بين الترك وولد طوخ وولد إيرج. واشتَقّ منُوشهْر من الصّراة ودِجلة ونهر بلخ أنهارًا عظامًا وقيل: إنه هو الذي كرى الفرات الأكبر وأمر الناس بحراثة الأرض وعمارتها. قالوا: ولما مضى من ملك منوشهر خمس وثلاثون سنة تناولت الترك من أطراف رعيته فقام خطيبًا فوبخ رعيته - ويقال: هي أولى خطبة سمعت من خطيب - وقال: إنما الناس ناس ما دفعوا العدو عنهم وقد نالت الترك من أطرفكم وليس ذلك إلا من ترككم جهاد عدوكم وقلة المبالاة وإن الله أعطانا هذا الملك ليبلونا أنشكر فيزيدنا أم نكفر فيعاقبنا فإذا كان غدا فاحضروا. وأرسل إلى أشراف الأساورةَ فدعاهم وأدخل الرؤساء ودعى موبذ موبذان فأقعد على كرسي مما يلي سريره ثم قام على سريره فقام أشراف أهل مملكته فقال: اجلسوا فإني إنما قمت لأسمعكم كلامي فجلسوا فقال: أيها الناس إنما الخلق للخالق والشكر للمنعم والتسليم للقادر ولا بد مما هو كائن وإنه لا أضعف من مخلوق طالبًا كان أو مطلوبًا ولا أقوى من خالق ولا أقدر ممن طلبته في يده ولا أعجز ممن هو في يد طالبه وإن التفكر نور والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة وقد ورد الأول ولا بد للآخر من اللحوق بالأول وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله وإن اللهّ عز وجل أعطانا هذا الملك فله الحمد ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين وإن للملك على أهل مملكته أحقًا ولأهل مملكته عليه حقًا فحق الملك على أهل المملكة أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوَّه وحقهم على الملك أن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها إذ لا معتمد لهم على غيرها وأنها تجارتهم وحق الرعية على الملك أن ينظر لهم ويرفق بهم ولا يحملهم ما لا يطيقون وإن أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم من آفة من السماء أو الأرض أن يسقط عنهم خراج ما نقص وإن اجتاحتهم مصيبة أن يعوضهم ما يقويهم على عمارتها ثم يأخذ منهم بعد ذلك على قدرما لا يجحف بهم والجند للملك بمنزلة جناحي الطائر فمتى قُصّ من الجناح ريشه كان ذلك نقصانًا منه فكذلك الملك إنما هو بجناحه وريشه. ألا وإن الملك ينبغي أن يكون فيه ثلاث خصال: أولها أن يكون صدوقًا لا يكذب وأن يكون سخيًا لا يبخل وأن يملك نفسه عند الغضب فإنه مسلّط ويده مبسسوطة والخراج يأتيه فينبغي ألا يستأثر عن جنده ورعيته بما هم أهله وأن يكثر العفوة فإنه لا ملك أبقى من ملك فيه العفو ولا أهلكَ من ملك فيه العقوبة ولأن يخطىء في العفو فيعفو خير من أن يخطىء في العقوبة. فينبغي للملك أن يَتَثَبَّت في الأمر الذي فيه قتل النفس وبواها وإذا رفع إليه من عامل من عماله ما يستوجب به العقوبة فلا ينبغي له أن يحابيه وليجمع بينه وبين المتظلِّم فإن صح عليه للمظلوم حق خرج إليه منه وإن عجز عنه آدمي أدى عنه الملكُ ورده إلى موضعه وأخذه بإصلاح ما أفسد فهذا لكم علينا. ألا من سفك لحمًا بغير حق أوقطع يدًا بغير حق فإني لا أعفو عن ذلك إلا أن يعفو عنه وإن الترك قد طمعت فيكم فاكفوها بما تكفون أنفسكم به قد أمرت لكم بالسلاح والعدة وأنا شريككم في الرأي وإنما لي من هذا الملك اسمه مع الطاعة منكم. ألا وإن الملك ملك إذا أطيع فإذا خولف فذلك مملوك ليس بملك. فمهما بلغنا من الخلاف فإنا لا نقبله من المُبلغ له حتى نتيقَّنه منه فإذا صحت معرفة ذلك أنزلناه منزل المخالف. ألا وإن أكمل الأداة عند المصيبات الأخذ بالصبر والراحة إلى اليقين فمن قُتِل في مجاهدة العدوّ رجوت له الفوز برضوان اللّه. وأفضل الأمور التسليم لأمر اللّه والراحة إلى اليقين والرضا بقضائه أين المهرب مما هو كائن! وإنما يتقلَب في كف الطالب وإنما أهل هذه الدنيا سفر لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها وإنما بلغتهم فيها بالعواري فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم لمن القضاء له! ومن أحق بالتسليم لمن فوقه ممن لا يجد مهربًا إلا إليه ولا معولًا إلا عليه! فثقوا أن النصر من اللّه تعالى وكونوا على ثقة من دَرَك الطلبة إذا صحت نياتكم واعلموا أن هذا الملك لا يقوم إلا بالاستقامة وحسن الطاعة وقمع العدوّ وسدّ الثغور والعدل للرعية وإنصاف المظلوم فشفاؤكم عندكم والدواء الذي لا داء فيه الاستقامة والأمر بالخير والنهي عن الشرّ ولا قوة إلا باللّه. انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم ومتى عدلتم فيها رغبوا في العمارة فزاد ذلك في خراجكم وتبين في زياده أرزاقكم وإذا خِفْتم على الرعية زهدوا في العمارة وعطلوا أكثر الأرض فنقص ذلك من خراجكم وتبين في نقص أرزاقكم فتعاهدوا الرعية بالإنصاف. هذا قولي وأمري يا موبذ موبذان الزم هذا القول وجد في هذا الذي سمعت في يومك أسمعتم أيها الناس! فقالوا: نعم قد قلت فأحسنت ونحن فاعلون إن شاء اللّه. ثم أمر بالطعام فوضع كلوا وشربوا ثم خرجوا وهم له شاكرون. وكان ملكه مائة وعشرين سنة فلما هلك قريشات وتغلب على مملكة فارس وصار إلى أرض بابل وأقام بأذربيجان وأكثر الفساد فبقي اثنتي عشرة سنة إلى أن ظهر زو. وكان من الملوك في هذا الزمان الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان كان من ملوك اليمن بعد يعرب بن قحطان وإخوته. وكان أملكه باليمن أيام ملك منوشهر وإنما سمي الرائش - واسمه الحارث - لغنيمة غنمها من قوم غزاهم فأدخلها اليمن فسمي لذلك الرائش. وأنه غزا الهند فقتل بها وسبى وغنم الأموال ورجع إلى اليمن ثم سار منها على جبل طيء ثم على الأنبار ثم على الموصل وأنه وجِّه منها خيله وعليها رجل من أصحابه يقال له: شمر بن العطاف فدخل على الترك أرض أذْرَبيجَان وهي في أيديهم يومئذ فقتل المقاتلة وسبى الذرية وزَبَر ما كان من مسيره في حَجَرَيْن فهما معروفان ببلاد آذربيجان. وملك بعد الرائش ابنه أبرهة ويقال له: ذو منار. وإنما قيل ذلك لأنه غزا بلاد المغرب فأوغل فيها فخاف على جيشه الضلال عند قفوله فبنى المنار ليهتدوا به. وهو أحد الملوك الذين توغلوا في الأرض وكان له ولد يقال له: " العبد " فبعثه إلى ناحية من أقاصي بلاد المغرب فغنم وأصاب مالًا وقدم عليه بسبي لهم خلق منكرة. فذعر الناس منهم فسموه ذا الأذعار. ويقال: ان ملوك اليمن كانوا عمالًا لملوك الفرس بها ومن قبلهما كانت ولايتهم بها.
كان بين موسى وإبراهيم ألف سنة وبين إبراهيم ونوح ألف سنة وبين نوح وآدم ألف سنة. أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبوِ عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا قبيصة بن عقبة أخبرنا سفيان بن سعد عن أبيه عن عكرمة قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. قال ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عمر عن غير واحد من أهل العلم قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون القرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين إبراهيم وموسى عشرة قرون والقرن مائة سنة. وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب كذلك قال هشام بن محمد عن أبيه. وقال ابن إسحاق: موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي. ورأيته بخط أبي الحسين بن المنادي: " ناهب " بالنون والباء. واسم أم موسى يوخابذ. وكان الكهان قد قالوا لفرعون - واسمه الوليد بن مصعب بن معاوية بن أبي نمير بن الهلوالش بن ليث بن هاران بن عمرو بن عملاق. وكان فرعون يوسف لا يؤذي بني إسرائيل بل يحسن إليهم فلما مات وليَ بعده فرعون من فراعتهم فلم يؤذي بني إسرائيل ثم ملك فرعون موسى وهو الرابع من الفراعنة وكان أخبثهم وعاش ثلاثمائة سنة واستعبد بني إسرائيل وعذبهم وصنَفهم في أعماله فصنف يبنون له وقوم يحرثون له ومن لاعمل له فعليه الجزية. أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا ابراهيم بن عمر البرمكي أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم إجازة أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق حدثنا أبو بكر المروزي قال: حدثنا أبو عبد اللهّ المروزي حدثنا محمد بن عبد حدثنا معمر بن بشر قال: سمعت عبد اللهّ بن المبارك يقول: كان فرعون عطارًا وكان من أهل أصبهان فأفلس وركبه دين فخرج يلتمس ما يقضي دينه فلم تزل ترفعه أرض وتضعه أخرى حتى دخل مصر ورأى عند باب المدينة وقر بطيخ بدرهم وفي المدينة بطيخة بدرهم. قال فرعون: قد صرت إلى موضع أقضي ديني واستغني فأشترى وقرًا بدرهم. ومضى ليدخله المدينة فتناول كل إنسان بطيخة حتى بقي معه واحدة وباعها بدرهم فضجر فقالوا له: هكذا سنتنا فقال: أما ها هنا أحد يعدل أو نصير فقالوا: لا هنا ملك قد خلا بلذاته وسلط وزيره على الناس ليس ينظر في شيء فبسط لبدا على المقابر فجعل يأخذ من كل جنازة أربعة دراهم فصبر بذلك ما شاء الله حتى ماتت بنت الملك فمروا بها عليه فقال: هاتوا أربعة دراهم فقالوا: هذه بنت الملك فقال: هاتوا ثمانية فما زال وزالوا يتنازعون حتى أضعف عليهم مرات فلما رجعوا قالوا للملك: عمل بنا عامل الموتى كذا وكذا قال: ومن فبعث إلى وزيره فدعاه فقال: أنت استعملت هذا قال: لا فدعاه فقال: من استعملك فقص عليه القصة وأخبره بأمر البطيخ وأنهم قالوا له أنه ليس ها هنا أحد يعدل فلما رأيت ذلك صنعت ما ترى لينتهي إليك فتغير وتنتبه لملكك. قال: فمذ كم أنت على حالك فقال: سنين كثيرة حتى صرت إلى الأموال الكثيرة فأمر بوزيره فضربت عنقه واستوزر فرعون فسار فيهم بسيرة حسنة وأذاقهم فيها طعم العيش لما كانوا فيه قبل. يقضي بالحق ولو على نفسه ثم ان الملك مات فقالوا: من نستخلف فاجتمع رأيهم فقالوا: لا نستعمل غير هذا الذي أذاقنا طعم العيش فملكوه على أنفسهم فلم يزل عليهم يموت قرن ويخلفهم آخرون وتراخى به السن وطال ملكه حتى ادعى ما علمتم. قال علماء السير: قالت الكهنة لفرعون: يولد مولود في بني إسرائيل يكون هلاكك على يده فأمر بذبح أبنائهم ثم اشتكت القبط إلى فرعون وقالت: إن دمت على الذبح فلم يبق من بني إسرائيل من يخدمنا فصار يذبح سنة ويترك سنة. فولد هارون في السنة التي لا يذبح فيها وولد موسى بعده بسنه. وقال قوم: بينهما ثلاث سنين. قال وهب: بلغني أنه ذبح سبعين ألف وليد فلما حملت أم موسى بموسى لم يتبين حملها ولم تعلم فلما ولد موسى دخل الطلب إليها فرمته في التنور فسلم ثم خافت عليه فصنعت له تابوتًا وألقته في البحر حمله الماء إلى أن ألقه بين يدي فرعون. فلما فتح التابوت فنظر إليه قال: عبراني من الأعداء كيف أخطأه الذبح فقالت آسية: هذا أكبر من ابن سنة وإنما أمرت بذبح أولاد هذ السنة فدعه يكون قر عين لي ولك. وكان فرعون لا يولد له إلا البنات فتركه وأحبه. ولما رمته أمه في اليم بكت وجزعت فربط اللّه على قلبها فسكنت وكانت تتوكف الأخبار حتى سمعت أن فرعون أخذ صبيًا في تابوت فعرفت القصة فقالت لأخته - واسمها مريم وكان له أختان: مريم وكلثوم: قصيه فانظري ماذا يفعلون به. فدخلت أخته على آسية مع النساء وقد عرضت عليه المرضعات فلم يقبل ثديًا فقالت أخته: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم. قالوا: نعم من هم قالت: حنة امرأة عمران فبعثوا إليها فأخذ ثديها فشرب ونام. فلما انتهى رضاعه ردته إلى فرعون فاتخذه يومًا في حجره فمدَّ بلحيته فقال: عليّ بالذابخ فقالت آسية: إنما هو صبي لا يعقل. وأخرجت له ياقوتًا وجمرًا فوضع يده على جمرة فطرحها في فيه فأحرقت لسانه فذلك قوله: " وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ". وكبر موسى فكان يركب وإن فرعون ركب يومًا وليس عنده موسى فلما جاء موسى ركب في أثره فوجد في المدينة {رَجُلَيْنن يقتتلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} أي: من بني إسرائيل فاستغاثه الإسرائيلي على القبطي فوكزه موسى فمات. فندم موسى على قتله وأصبح خائفًا أن يؤخذ به. أي: يستغيثه على آخر. وكان القبط قد أخبروا فرعون بالقتل فقال: إن عرفتم قاتله فاخبروني فلم يعرفوه فلما أراد موسى أن ينصر الإسرائيلي في هذا اليوم الثاني ظن الإسرائيلي أنه يقصده بالأذى فقال: فعلم الناس أنه هوالقاتل فطلبوه فخرج خائفًا فهداه اللّه إلى مدين. قال سعيد بن جبير: خرج إلى مدين وبينه وبينها مسيرة ثمان ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر فخرج حافيًا. قال السدي: فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان يجتمع عليها نفر حتى يرفعوها فسقى لهما ورجعتا وإنما كانتا تسقيان من فضول الحياض ثم تولى موسى إلى ظل شجرة فقال: قال ابن عباس: ورد ماء مدين وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه من الهزال. قال السدي: فلما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعًا سألهما فأخبرتاه خبر موسى فأرسل إليه إحداهما فأتته فقام معها فمشت بين يديه فضربتها الرياح فنظر إلى عجيزتها فقال: امشي خلفي ودليني الطريق. أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي أخبرنا علي بن محمد العلاف أخبرنا عبد الملك بن عمر بن بشران أخبرنا حمزة بن محمد الدهقان حدثنا عباس الدوري حدثنا عبد الله أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه: أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر فلا يطيق رفعها إلا عشرة رجال فإذا هو بامرأتين تذودان قال: ما خطبكما فحدثتاه فأتى الحجر فرفعه ثم لم تسق إلا ذنوبًا واحدًا حتى رويت الغنم ورجعت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه وتولى موسى الظل فقال: " رَب إِنِّي لِمَا أنزلْتَ إليَّ مِنْ فجاءته إحداهما " تَمْش عَلَى اسْتِحْيَاءٍ " واضعة ثوبها على ثغرها فقالت: {إِنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيكَ أجْرَ مَاسَقَيْتَ لَنَا} فقال لها: امشي خلفي ودليني الطريق فإني أكره أن يصيب الريح ثيابك فيصف لي جسدك. فلما انتهى إلى أبيها: قالت: أما قوته فرفعه الحجر ولا يطبقه إلا عشرة وأما أمانته فقال لي: امشي خلفي وصفي الطريق فإنى أكره أن يصيب الريح ثوبك فيصف لي جسدك. قال السدي: لما سمع شعيب قولها قال: فزوج التي دعته وقضى أيما الأجلين. فأما اسم المرأة التي تزوجها فهو صفورا والأخرى ليّا. وقد روي عن ابن عباس: أن الذي استأجره صاحب مدين واسمه يثربي. وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: وهو ابن أخي شعيب. ذكر ما جرى له بعد انفصاله عن مدين شعيب قال السدي: أخبرنا محمد بن أبي منصور الحافظ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج أخبرنا الحسن بن علي التميمي أخبرنا أحمد بن جعفر أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه حدثنا عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه قال: لما رأى موسى النار انطلق يسير حتى وقف منها قريبًا فإذا هو بنارعظيمة تفور من فروع شجرة خضراء شديده الخضرة لا تزداد النار فيما يرى إلا عظمًا وتضرّمًا ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسنًا. فوقف ينظر لا يدري على ما يضع أمرها إلا أنه قد ظن أنها شجرة تحترق أوقد إليها موقد نالها فاحترقت وإنه إنما تمنع النار شدة خضرتها وكثرة مائها وكثافة ورقها وعظم جزعها. فوضع أمرها على هذا فوقف يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه. فلما طال عليه ذلك أهوى إليها بضغث في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها. فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنما تريده فأستأخر عنها وهاب ثم عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع فيها. ولم تكن بأوشك من خمودها فاشتد عند ذلك عجبه وفكر في أمرها وقال: هي نارممتنعة لا يقتبس منها ولكنها تضرم في جوف شجرة ولا تحرقها ثم خمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين فلما رأى ذلك موسى قال: إن لهذه النار لشأنًا. ثم وضع أمرها على أنها مأمورة أو مصنوعة لا يدري من أمرها ولا بما أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيرًا لا يدري أيرجع أم يقيم. فبينا هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا هو أشد ما كان خضرة وإذا الخضرة ساطعة في السماء ثم لم تزل الخضرة تنور وتصْفر وتبياضَّ حتى صارت نورًا ساطعًا عمودًا ما بينا السماء والأرض عليه مثل شعاع الشمس تكلُّ دونه الأبصار كلما نظر إليه كاد يخطف بصره. فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه فرد يده على عينيه ولصق بالأرض وسمع الحنين والوجس إلا أنه يسمع حينئذٍ شيئًا لم يسمع السامعون مثله. عظمًا الحنين. فلما بلغ موسى الكرب واشتد عليه الهول وكاد أن يخالط في عقله من شدة الخوف لما يسمع ويرى نودي من الشجرة فقيل: يا موسى فأجاب سريعًا وما يدري من دعا وما كان سرعة إجابته إلا استئناسًا بالإنس فقال: لبيك مرارًا أسمع صوتك وأحس رحبك ولا أرى مكانك فأين أنت. قال: أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك. فلما سمع هذا موسى علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه تعالى وأيقن به فقال: كذلك أنت يا إلهي أكلامك أسمع أم لرسولك قال: أنا الذي أكلمك فادن مني فجمع موسى يديه في العصا ثم تحامل حتى استقل قائمًا فرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظم يحمل آخر فهو بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه ثم زحف على ذلك وهو مرعوب حتى وقف قريبًا من الشجرة التي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى: وكان لموسى عليه السلام في العصى مآرب. وكانت لها شعبتان ومحجن تحت الشعبتين. قال له الرب تبارك وتعالى: فظن موسى أنه يقول له ارفضها فألقاها على وجه الأرض لا على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة فإذا هي بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يدب ليمس كأنه يبتغي شيئًا يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيقلبها ويطعن بالناب في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها عيناه توقدان نارًا وقد عاد المحجن عرفًا فيه شعر مثل النيازك وعادت الشعبتان فمًا مثل القليب الواسع وفيه أضراس وأنياب لها صريف. فلما عاين ذلك موسى عليه السلام ولى مدبرًا فذهب حتى أمعن في البرية ورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه عز وجل فوقف استحياء منه. ثم نودي: يا موسىِ ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف قال: " خُذْهَا " بيمينك قال: لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت فكشف عن يده ثم وضعها في فيّ الحية حتى سمع حسَ الأضراس والأنياب ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها فإذا يده في الموضع الذي كان يضعها فيه إذا توكأ بين الشعبتين. فقال له اللّه عز وجل: ادن فلم يزل يدنيه حتى أسند ظهره بجذع الشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة وجمع يديه في العصا وخضع برأسه وعنقه ثم قال: إني قد أتيتك اليوم مقامًا لا ينبغي لبشر بعدك أن يقوم مقامك أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامي وكنت بأقرب الأمكنة مني فانطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي فإن معك يدي وبصري وإني قد ألبستك جبة من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري فأنت جند عظيم من جنودي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا عني حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي وعبد غيري وزعم أنه لا يعرفني وإني أقسم بعزتي لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار فإن أمرت السماء حصبته وإن أمرت الأرض ابتلعته وإن أمرت الجبال دمرته وإن أمرت البحار غرقته ولكنه هان عليَ وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحق لي أني أنا الغني لا غني غيري. فبلغه رسالاتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسمي وذكره بآياتي وحذره نقمتي وبأسي وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ولا يرعبك ما ألبِسَهُ من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بإذني. قل له: أجب ربك عز وجل فإنه واسع المغفرة فإنه قد أمهلك أربعمائة سنة وفي كلها أنت مبارز لمحاربته تشبه وتمثل وتصدُ عباده عن سبله وهو يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب. ولو شاء أن يعجل ذلك لك أويسلبكه فعل ولكنه ذوأناة وحلم عظيم. وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما محتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قِبَلَ له بها لفعلت ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة - ولا ولا تعجبنكما زينته ولا ما يتمتع به ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين وإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما وكذلك أفعل بأوليائي قديمًا فأخرت لهم في ذلك فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة وإني لأجنبهم سلوتها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق عن مبارك الغرّة. وما ذاك لهوانهم عليّ ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالمًا موفرًا لم تكلمه الدنيا ولم يطع الهوى. واعلم أنه لم يزين العباد بزينة هي أبلغ من الزهد في الدنيا فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع أولئك أوليائي حقًا حقًا فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك. واعلم أنه من أهان لي وليًا إذا خافه فقد بارزني بالمحاربة وما رآني وعرض نفسه للهلكة ودعاني إليها وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي. أويظن الذي يعاديني أن يعجزني. أم يظن الذي بارزني أن يسبقني أويفوتني فكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا قال: فأقبل موسى عليه السلام إلى فرعون في مدينته قد جعل حولها الأسد في غيضة قد غرسها فالأسد فيها مع ساستها إذا اسَدَتْهَا على أحد أكل. وللمدينة أربعة أبواب في الغيضة فأقبل موسى عليه السلام من الطريق الأعظم الذي يراه منه فرعون فلما رأته الأسد صاحت صياح الثعالب فأنكر ذلك الساسة وفرقوا من فرعون. وأقبل موسى حتى انتهى إلى الباب إلى قبة فرعون فقرعه بعصاه وعليه جبة صوف وسراويل صوف فلما رآه البواب عجب من جرأته فتركه ولم يأذن له وقال: هل تدري من تضرب إنما تضرب باب سيدك قال: أنت وأنا وفرعون عبيد لربي عز وجل فأنا آمره فأخبر البواب الذي يليه والبوابين حتى بلغ ذلك أدناهم ودونهم سبعون حاجبًا كل حاجب منهم تحت يده من الجنود ما شاء الله عز وجل كأعظم أميراليوم إمارة حتى خلص الخبر إلى فرعون فقال: أدخلوه عليّ فأدخلوه فلما أتاه قال له فرعون: أأعرفك قال: نعم قال: فرد موسى عليه الذي ذكره اللّه عز وجل قال فرعون: خذوه فبادرهم موسى وقام فرعون منهزمًا حتى دخل البيت فقال لموسى: اجعل بيننا وبينك أجلًا ننظر فيه فقال له فأوحى اللّه عز وجل إلى موسى: أن اجعل بينك وبينه أجلًا واجعل ذلك إليه قال فرعون: اجعله إلى أربعين يومًا ففعل. وكان فرعون لا يأتي الخلاء إلا في أربعين يومًا مرة فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة. قال: وخرج موسى من المدينة فلما مرَّ بالأسد بصبصت بأذنابها وسارت مع موسى تشيعه ولا تهيجه ولا أحد من بني إسرائيل. M0م ماكلم اللّه عز وجل به موسى عليه السلام ما أنبأنا يحعى بن ثابت بن بندار أخبرنا أبي أخبرنا ابن دوما أخبرنا مخلد بن جعفر أخبرنا الحسن بن علي القطان أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي أخبرنا الثوري وعباد بن كثير عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن كعب قال: إن الرب عزوجل قال لموسى: يا موسى إذا رأيت الغني مقبلًا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلًا فقل مرحبًا بشعار الصالحين. يا موسى إنك لن تقرب عليِّ بعمل من أعمال البر خيرلك من الرضا بقضائي ولن تأتي بعمل أحبط لحسناتك من البطر وإياك والتضرع لأبناء الدنيا إذن أعرض عنك وإياك أن تجود بدينك لدنياهم إذن آمرأبواب رحمتي أن تغلق دونك. ادن الفقراء وقرب مجلسهم منك ولا تركن إلى حب الدنيا فإنك لن تلقاني بكبيرة من الكبائر أضر عليك من الركون إلى الدنيا. يا موسى بن عمران قل للمذنبين النادمين أبشروا وقل للعالمين المعجبين إخسأوا. قال وهب بن منبه: كان موسى إذا كلمه الله عز وجل يرى النور على وجهه ثلاثة أيام ولم يتعرض للنساء مذ كلمه. وقد روى أبو سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " السكينة والوقار في أهل الغنم والخيلاء في أهك الإبل " وقال: " بعث موسى وهو يرعى غنمًا لأهله وبعثت وأنا أرعى غنمًا لأهلي بجياد ". وزعم السدي: أن موسى رجع من تكليم اللّه عز وجل فسار بأهله نحو مصر فأتاها ليلًا فتضيف على أمه وهو لا يعرفها فجاء هارون فقيل له: ضيف فقعد معه فسأله: من أنت. فقال: أنا موسى فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه فلما تعارفا قال له: يا هارون إنطلق معي إلى فرعون إن اللهّ تعالى قد أرسلنا إليه قال هارون: سمعًا وطاعة فانطلقا إليه ليَلًا فأتيا الباب فضرباه ففزع فرعون وفزع البواب فكلمهما فقال موسى: أنا رسول رب فأتى فرعون فقال: إن ها هنا إنسانًا مجنونًا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: أدخله فدخل فعرفه فرعون. فقال: فقال له: إن كنت جئت بآية فأت بها فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين قد فتحت فاها ووضعت لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجهت إلى فرعون فذعر منها ووثب وصاح: يا موسى خذها فأنا أومن فعادت عصا ثم نزع يده فإذا هي بيضاء فخرج من عندها. فأبى فرعون أن يؤمن وبنى الصرح ورقي عليه وأمر بنُشابه فرمى بها نحو السماء فردت إليه ملطخة بالدم فقاك: قد قتلت إله موسى. قال وهب: بعث إلى السحرة فجمعهم وقال: قد جاءنا ساحر ما رأينا مثله قط فإن غلبتموه أكرمكم. وكان يرأس السحرة ساتور وعازور وحطحط ومصفى وهم الذين آمنوا لما رأوا سلطان اللّه فتبعتهم السحرة في الإيمان. وفي عدد السحرة أقوالٌ كثيرة مذكورة في التفسير فمن قائل يقول: كانوا سبعين ألفًا ومن قائل يقول: كانوا سبعمائة ألف. إلى غير ذلك. وإنهم جمعوا حبالهم وعصيّهم وكان موعدهم يوم الزينة وهو عيد كان لهم فلما اجتمعوا ألقوا ما في أيديهم فإذا حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي تركب بعضها بعضًا فأوحى إليه: أن ألق عصاك فألقاها فتلقفت جميع ما صنعوا حتى ما يرى في الوادي شيء ثم أخذها موسى فإذا هي عصاه فخرت السحرة سجدًا فواعدهم فرعون بالقتل فقالوا: فرجع مغلوبًا وأبى إلا التمادي في الكفر. قال ابن عباس: كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء. ذكر الآيات التي أرسلت على قوم فرعون لما فرغ من أمر السحرة ولم يؤمن فرعون أرسلت عليه الآيات. وقد زعم السدي أن الآيات أرسلت قبل لقاء السحرة. فأما الأولى الطوفان: وهو المطر أغرق كل شيء لهم. وقيل: بل ماء فاض على وجه الأرض ثم ركد فلم يقدروا أن يعملوا شيئًا فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشفه عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشفه فنبتت زروعهم فقالوا: ما يسرنا أننا لم نمطر فبعث اللهّ عليهم الجراد فأكل حروثهم وزروعهم حتى أكل مسامير الأبواب فسألوا موسى أن يدعو ربه فدعا فكشفه فلم يؤمنوا فبعث اللهّ عليهم القمل والدبا فلحس الأرض كلها وكان يأكل لحومهم وطعامهم ومنعهم النوم والقرار فسألوا موسى أن يدعو ربه أن يكشفه وقالوا: نؤمن فدعا فكشفه فلم يؤمنوا فأرسل اللّه عليهم الضفاع فملأت البيوت والأطعمة والأواني فقالوا: اكشف ذلك فكشفه فلم يؤمنوا فأرسل عليهم الدمٍ وكان الإسرائيلي يأتي والقبطي يستقيان من ماء واحد فيخرج ماء هذا القبطي دمًا ويخرج للإسرائيلي ماء فسألوا موسى فدعا فكشف فلم يؤمنوا. قال ابن عباس: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات: الجراد والقمل والضفا دع والدم. قال علماء السير: ثم ان اللّه تعالى أوحى إلى موسى وأخيه أن يقولا قولًا لينًا فقال له موسى: هل لك في أن أعطيك شبابك ولا تهرم وملكك فلا ينزع منك فإذا مت أدخلت الجنة وتؤمن بي فقال: كما أنت حتى يأتي هامان فلما جاء أخبره فعجزه وقال: تعبد بعد ما كنت ربًا فخرج فقال: قال السدي: بين هذه الكلمة وبين قوله: أربعون سنة. ثم قال له قومه: فقال: فأعاد القتل على الأبناء وحتمًا إذ علم أنه لا يقدرعلى قتل موسى. ذكر مؤمن آل فرعون كان هذا المؤمن يكتم إيمانه فإذا هموا بقتل موسى جادل عنه وقال: " أتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبي اللًهُ ". قال قتادة: كان قبطيًا من قوم فرعون فنجى مع موسى. قال شعيب الجبائي: إنه سمعان وقيل: سمعون وقيل شمعان وشمعون بالشمين المعجمة. وقال مقاتل: حزقيل. وممن آمنت بموسى آسية قال أبو هريرة: ضرب فرعون لامرأته أوتارًا في يديها ورجليها وكانوا إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة فقالت: أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبي حدثنا يونس حدثنا داود بن أبي الفرات عن عليا عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنتَ عمران وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون ". وممن آمن ماشطة ابنة فرعون أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القزاز أخبرنا عبد الصمد بن على بن المأمون أخبرنا عبد الله بن محمد بن حبان أخبرنا البغوي أخبرنا أبو نصر التمار حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم لما أسري به مرت به رائحة طيبة فقال: يا جبريل ما هذه الرائحة قال: ماشطهَ ابنة فرعون كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت: بسسم اللّه فقالت بنت فرعون: أبي قالت: بل ربي ورب أبيك قالت: أخبر بذلك أبي قالت: نعم فأخبرته فدعا بها فقال: من ربك. قالت: ربي وربك اللّه الذي في السماء فأمر فرعون نقرة من نحاس فأحمت ودعا بها وبولدها فقالت: إن لي إليك حاجة قال: وما هي قالت: تجمع بعظامي وعظام ولدي فتدقها جميعًا قال: ذلك لك علينا من الحق قال: فألقى ولدها واحدًا واحدًا حتى إذا كان آخر ولدها كان صبيًا مرضعًا قال: اصبري يا أماه فإنك على الحق قال: ثم ألقيت مع ولدها.
|